ونقرأ في سفر التكوين أيضاً عن (تامار) كنّة يهوذا ابن يعقوب كيف خدعْت حميها واحتالت عليه. حيث ظهرت له في الطريق على أنّها زانية ليدخل عليها ويضجع معها لأنّه لم يزوّجها ابنه (شيله). علماً أنّها كانت زوجة لولديه تباعاً عيرا وأُونان وكلاهما توفيا وبقيت تامار أرملة تنتظر أن يتزوجها الابن الثالث لحميها وكان يدعى (شيله):"قالت يهوذا لتامار كنتَّه اقعدي أرملة في بيت أبيكِ حتى يكبرُ شيلة ابني لأنّه قال لعله يموتُ هو أيضاً كأخويه. فمضتْ تامار وقعدت في بيت أبيها"(14) .
عندما توفيتْ يهوذا، استغلّت كنَّته تامار ذلك وخطّطتْ لفعلتها السيئة حيث نقرأ: "فأخبرت تامارُ وقيل لها هوذا حموكِ صاعدٌ إلى تمنةَ ليجّز غنمه. فخلعتْ عنها ثياب ترمُّلها وتغطّتْ ببُرقع وتلفّفت وجلستْ في مدخل عينايم التي على طريق تمنة ، لأنّها رأت أنّشيلة قد كبُر وهي لمُ تعط له زوجةً فنظرها يهوذا وحسبها زانيةِ . لأنّها كانت قد غطّتْ وجهها . فمال إليها على الطريق وقال هاكي أدخُل عليك. لأنّه لم يعلم أنّها كنَّته. فقالتْ ماذا تعطيني لكي تدخل عليَّ. فقال ما الرَّهن الذي أعطيك. فقالت خاتُمكَ وعصابتُك وعصاك التي في يدكَ. فأعطاها ودخل عليها فحبلتْ منه ثم قامت ومضتْ وخلعت عنها بُرقعها ولبستْ ثياب ترمُّلها."(15)
وفي سفر الخروج نقرأ عن احتيال وخداع بني اسرائيل للمصريين وسلبهم فضتّهم وذهبهم وأمتعتهم بتوجيهات من موسى الناطق باسم يَهْوهَ:"وفعل بنو إسرائيل حسب قول موسى. طلبوا من المصريين أمتعة فضةٍ وأمتعة ذهبٍ وثياباً. وأعطى الرّبّ نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين(16) .
وأنا أطالب المصريين اليوم وغداً وبعد غد أن يسترّدوا ممتلكاتهم التي سُلبتْ احتيالاً وغدراً وأن يطالبوا بمحاكمة السارقين وإنزال العقوبات عليهم، مثلما يطالب اليهود حكام الكيان الصهيوني باستعادة (أرض إسرائيل) المزعومة لأنّها أرض أسلافهم. وباعتبار حدود التوراة هي الحدود الرئيسة للمملكة المزعومة وعلى التوراة الميثولوجية يستندون في ترجمة سلوكيتهم المادية.
أمّا في سفر القضاة فنقرأ عدّةُ حوادث غدر واحتيال وقتل بشع قام بها اليهود منها حادثة الغدر والخيانة التي قام بها رجلٌ بنياميّ يدعى إهود بن جيرا ويسمّيه كاتب السفر قاضياً.. أرسله يَهْوهَ أو كلّفه أن يقضي لإسرائيل ويخلّصها من أعدائها الموآبيين الذين ضربوا إسرائيل وامتلكوا مدينة النخل وشدّدوا عليهم حتى اضطروهم إلى عبادة ملك موآب (عجلون) ثماني عشرة سنة كما يروي كاتب السفر حتى صرخوا إلى الرّب يستغيثون فأرسل لهم مخلّصاً لينقذهم وكان هذا المخلّص (إهود بن جيرا) وهو رجل أعسر. فدّبر خطّة للغدر بملك موآب وقتله:"فعمل إهودَ لنفسه سيفاً ذا حدّين طوله ذراع وتقلّده تحت ثيابه على فخذه اليمنى وقدّم الهدّية لعجلون ملك موآب وكان عجلون رجلاً سميناً جداً. وكان لما انتهى من تقديم الهدية صرف القوم حاملي الهدّية وأمّا هو فرجع منعند المنحوتات التي لدى الجلجال وقال. لي كلام سرٍّ إليك أيّها الملك. فقال صه. وخرج من عنده جميع الواقفين لديه. فدخل إليه إهودَ وهو جالسٌ في علّية برودٍ وكانت له وحده. وقال إهودَ عندي كلام اللّه إليك فقام عن الكرسيّ فمدَّ إهودَ يده اليسرى وأخذ السّيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه فدخل القائم أيضاً وراء النَّصل وطبق الشّحم وراء النّصل لأنّه لم يجذب السيّف من بطنه."(17)
ثم نقرأ أيضاً عن حادثة مقتل (سيرا) رئيس جيش مملكة حاصور على يد إمرأة تدعى (ياعيل) وهي امرأة حابر القيني.. وبيت حابر القيني كانوا في صلح مع (يابين) ملك حاصور. وحابر القيني من (قاين) من بني حوباب حمي موسى. وعندما حدث صراع بين حاصور وبني إسرائيل، انتصر الإسرائيلّيون حسب ما يزعم كاتب السفر فهرب قائد جيش حاصور (سيسرا) والتجأ إلى بيت حابر القيني نظراً لوجود عهد وصلح بينهما: "وأما سيسرا فهرب على رجليه إلى خيمة ياعيل امرأة حابر القيني لأنّه كان صلح بين يابين ملك حاصور وبيت حابر القيني. فخرجتْ ياعيل لاستقبال سيسرا وقالتْ له ملْ يا سيدي . ملْ إليّ لا تخفْ فمال إليها إلى الخيمة وغطّته باللحّاف. فقال لها اسقيني قليل ماءٍ لأنّي قد عطشتُ. ففتحتْ وطبَ اللبن وأسقته ثم غطّته. فقال لها قفي بباب الخيمة ويكون إذا جاء أحدٌ وسألك أهنا رجلٌ أنّك تقولين لا. فأخذتْ ياعيل إمرأة حابر وتَدَ الخيمة وجعلتْ الميتدة في يدها وقارَتْ إليه وضربت الوتد في صُدغه فنفذ إلى الأرض وهو متثقّل في النّوم ومتعبٌ فمات."(18)
في سفري صموئيل الأوّل والثاني نقرأ مزيداً من حوادث الغدر والخيانة والقتل نفذّها بنو إسرائيل فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين سكان كنعان من جهة أخرى.
كاتب السفر يروي هذه الأحداث بإسهاب، مرّجعاً إياها إلى رضى ورغبة ربّ الجنود يَهْوهَ، فنقرأ عن الصراع بين شاول ملك بني إسرائيل كما يسميه وداود، وكيف كان شاول يخطّط لاغتيال وتصفية داود لأنّه كان يغار منه ويحسده بينما صموئيل النبّي يخطّط لتصفية شاول والتخلّص منه وتسليم السلّطة لداود، ونظراً لأنّ شاول تجاوز صموئيل النبّي عدة مرات، وهذا أمرٌ لم يكن ليرضى به صموئيل فهو المرجعية الرئيسة دينياً ودنيوياً ولا يقبل أن يتصرّف شاول أي شيء دون الرجوع إليه واستشارته وأخذ موافقته لأن يهوه يريد ذلك كما يزعم.
لقد أراد شاول أن يتخلص من داود بأية وسيلة وأخذ يخطّط لهذا الأمر فتارة يدفع به إلى محاربة الفلسطينيين ليُقتل في المعركة. وتارة يخطّط لاغتياله سراً وتارة عبر تزويجه ابنته وهكذا.. أمضى شاول أيامه يبحث في الوسيلة التي تخلّصه من داود. "وقال شاول لداود هوذا ابنتي الكبيرة مَيْرةُ أُعطيكَ إياها امرأة. إنما كنْ لي ذا بأسٍ وحارب حروب الرّب. فإنّ شاول قال لا تكن يدي عليه بل لتكنْ عليه يدُ الفلسطينيين."(19) . ماتَ شاول وثلاثة من أولاده في حرب مع الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأول ولم يبق من أولاده إلاّ (إيشبوشث). فجعله أَبنيرُ بنُ نيرَ) ملكاً على إسرائيل مكان أبيه. فقد كان أَبنير رئيس جيش شاول. أما بيت يهوذا فقد اتبعوا داود. واشتدت الحرب بين الطرفين على السلطة.
كانت لشاول سرية اسمها "صفة" بنت أية. وكان ابنير قائد الجيش يدخل إليها ويضطجع معها كما يروي كاتب السفر:"وكان في وقوع الحرب بين بيت شاول وبيتُ داود أنّ أَبنير تشدّد لأجل بيت شاول. وكانت لشاول سّرّية اسمها رصفةُ بنتُ أيّة. فقال إيشبوشث لأبنير لماذا دخلت إلى سرّية أبي. فاغتاظ أَبنير جداً من كلام إيشبوشث وقال ألعّلي رأس كلبٍ ليهوذا اليوم أصنع معروفاً مع بيت شاول أبيك مع إخوته ومع أصحابه ولم أسلمّك ليد داود وتطالبني اليوم بإثم المرأة."(20) .
قرّر أَبنير التخلي عن إيشبوشث بن شاول وينضّم إلى داود استنكاراً فراسلَ داود واتفق معه على المصالحة وتسليمه السلطة على جميع إسرائيل ويهوذا فوراً، وقد وافق داود لكنه اشترط على أبنير أن يأتي له بامرأته ميكال بنت شاول التي فرض عليها والدها التخّلي عن داود والزواج من رجل آخر يدعى (فلطئيل بن لايش). وقد تمّ له الأمر حيث نقرأ:"فأرسل داود رُسلاً إلى إيشبوشث بن شارل يقول أعطني امرأتي ميكال التي خطبتها لنفسي بمائة غُلْفَةٍ من الفلسطينيين فأرسل ايشبوشث وأخذها من عند رجلها من فلطئيل بن لايش وكان رجلها يسير معها ويبكي وراءها إلى يحوريم. فقال له أَبنير إذهب ارجعْ.. فرجعْ."(21)
لقد غدر أَبنير بن نير بأيشبوشث وتخلّى عنه لصالح داود، لكنّه لم يهنأ بهذا الغدر.. وانقلبت خيانته عليه. حيث نقرأ:"فجاء أبنير إلى داود إلى حبرون ومعه عشرون رجلاً. فصنع داود لأبنير وللرّجال الذين معه وليمة وقال أبنير لداود أقوم وأذهب وأجمع إلى سيدي الملك جميع إسرائيل فيقطعون معك عهداً وتملكُ حسب كلّ ما تشتهي نفسكَ. فأرسل داود أبنير فذهب بسلام"(22) .
غير أنّ (يوآب) أحد قوّاد داود استنكر هذا الأمر ورأى ضرورة قتل أَبنير. لأنّه قتل أخاه (عسائيل). فترك الأمر سراً ولم يخبر داود وقرّر اغتيال أبنير بخدعةٍ وغدرٍ. حيث نقرأ: "ثم خرج يوآب من عند داود وأرسل رسلاً وراء أَبنير فردوه من بئر السيرة ،وداود لا يعلمُ. ولمّا رجع أَبنير إلى حبرون مال به يوآب إلى وسط الباب ليكلّمه سراً وضربه هناك في بطنه فمات بدم عسائيل أخيه."(23)
إنّ حادثة اغتيال أبنير غدراً وخيانة تركت صدى كبيراً وخاصة لدى ابن شاول (إيشبوشث) الذي تعرّض بعد وفاة أبنير لحادثة اغتيال أيضاً من قبل قائدين يعملان عنده.. فقد قتلوه غدراً حيث نقرأ:"ولمّا سمع ابن شاول أنّ أَبنير قد مات في حبرون ارتخت يده وارتاح جميع إسرائيل. وكان لابن شاول رجلان رئيسا غزاةٍ اسم الواحد بعنة واسم الآخر ركاب ابنا رمّون البئيروتيّ من بني بنيامين"(24) .
"وسار ابنا رمون البئيروتي ركاب وبعنة ودخلا عند حرّ النهار إلى بيت ايشبوشث وهو نائمٌ نومة الظهيرة. فدخلاً إلى وسط البيت ليأخذا حنطة وضرباه في بطنه ثم أفلت ركاب وبعنة أخوه. فعند دخولهما البيت كان هو مضطجعاً على سريره في مخدع نومه فضرباه وقتلاهُ وقطعا رأسه"(25) .
ثم نقرأ عن حادثة اغتيال غدراً قام بها داود ضدّ قائده أوريا الحثّي ليأخذ زوجته:"وكان في وقت المساء أنّ داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً فأرسل داود رسائل عن المرأةفقال واحد أليست هذه بتشبع بنت أليعام إمرأة أورّيا الحثي فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها ثمّ رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة. فأرسلت وأخبرت داود وقالت إنّي حُبلى فأرسل داود إلى يوآب يقول أرسل لي أورّياالحثي فأرسل يوآب أوريا إلى داود فأتى أورّيا إليه. فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب وقال داود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أورّيا من بيت الملن وخرجت وراءه حصّة من عند الملك ونام أورّيا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيدّه ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين لم ينزل أورّيا إلى بيته. فقال داود لأورّيا أما جئت من السّفر فلماذا لم تنزلْ إلى بيتك. فقال أورّيا لداود إنّ التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجهالصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع إمرأتي. وحياتك وحياة نفسك لاأفعل هذا الأمر."(26)
إنّ هذا الموقف النبيل والشجاع من أورّيا الحثّي، يعبرّ تماماً عن التزام واحترام أبناء حثّ للعمل مهما كان نوعه. وعن وفائهم وإنسانيتهم وشجاعتهم. فأوريّا الحثّي لم يكن يهودياً ، كان من بني حثّ.. ومع هذا فقد كان محارباً شجاعاً ووفيّاً لرفاقه اليهود، فلم يرّضَ أن ينعم مع امرأته ورفاقه يحاربون في الصحراء.. فكان مثال الإنسان الملتزم الخلوق الذي يتصّف بالإنفتاح والتسامح والوفاء. ولم يكن ليدري أنّ داود غدر به واضطجع مع امرأته ويخطّط لاغتياله والغدر به أيضاً. فقد كان حسن النّية وفضّل النوم على باب بيت الملك بدلاً من بيته ، ولكنّ دواد لم يرق له الأمر فنقرأ:"وفي الصباح كتب داود إلى يوآب مكتوباً وأرسله بيد أوريّا . وكتب في المكتوب يقول اجعلوا أوريّا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت."(27)
حمل أوريّا الحثّي رسالة موته غدراً.. ونجح مخطّط داود في التخلّص من أوريّا الحثّي ليسلبه زوجته الجميلة. ومات أوريّا حيث نقرأ:"وكان في محاصرة يوآب المدينة أنّه جعل أوريّا في الموضع الذي علم أنّ رجال البأس فيه. فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريّا الحثّي أيضاً."(28)
"فلّما سمعت امرأة أوريّا أنّه قد مات رجلها ندبت بعلها ولما مضت المناحة أرسل داود وضمّها إلى بيته وصارتْ له امرأة وولدت له ابناً ".(29)
ويحدّثنا كاتب سفر صموئيل الثاني أيضاً عن حادثةٍ بشعة قام بها (أمنون) بن داود بدعم وتخطّيط من عمّه شقيق والده (يوناداب). فقد احتال أمنون على أخته (تامار) واستدرجها إلى مخدعه واضطجع معها حيث نقرأ :"وكان لأمنون صاحبٌ اسمه يوناداب بنُ شمعي أخي داود. وكان يوناداب رجلاً حكيماً جداً. فقال له أمنون إنّي أحبُّ تامار أُختَ أبشالوم أخي. فقال يونادابُ اضطجع على سريرك وتمارض . إذا جاء أبوك ليراك فقلْ له دع تامار أُختي فتأتي وتطعمني خبزاً وتعمل أمامي الطعام لأرى فآكل من يدها."(30)
نجح مخطّط يوناداب، ووافق داود على إرسال ابنته تامار لتخدم أخيها أمنون فاستغل أمنون وجودها وتمكن منها واضطجع معها، ثم طردها. حيث نقرأ:"فلم يشأ أن يسمع لصوتها بل تمكنّ منها وقهرها واضطجع معها."(31)
لكنّ أبشالوم ابن داود شقيق أمنون وتامار الذي استنكر فعلة أخيه أمنون، ضمر الشرّ له، وقرّر وضع خطة للغدر به واغتياله انتقاماً لأخته تامار.. فتامار كانت أخت أمنون من أبيه داود. بعد سنتين حسب ما يروي كاتب السفر قرّر أبشالوم الانتقام من أخيه أمنون.. فخطّط لإقامة وليمة يدعو إليها والده وإخوته ومنهم أمنون حيث نقرأ:"وكان بعد سنتين من الزمان أنّه كان لأبشالوم جزّازون في بعل حاصور التي عند أفرايم فدعا أبشالوم جميع بني الملك. وجاء أبشالوم إلى الملك وقال هوذا لعبدك جزّازون, فليذهب الملك وعبيده مع عبدك. فقال الملك لأبشالوم. لا يا بني لا نذهب كلّنا لئلاّ نثقل عليك، فألحّ عليه فلم يشأ أن يذهب بلْ باركه. فقال أبشالوم إذاً دعْ أخي أمنون يذهب معنا. فقال الملك لماذا يذهُب معك. فألحّ عليه أبشالوم فأرسل معه أمنون وجميع بني الملك. فأوصى أبشالوم غلمانهُ قائلاً انظروا متى طاب قلبُ أمنون بالخمر وقلتُ لكم اضربوا أمنون فاقتلوه. لا تخافوا أليس أنّي أنا أمرتكم. فتشدّدوا وكونوا ذوي بأس. ففعل غلمانُ أبشالوم بأمنون كما أمر أبشالوم "(32)
كما نقرأ في سفر صموئيل أيضاً عدة حالات غدرٍ واحتيال حدثتْ خلال الصراع بين أبشالوم وأبيه داود أهمّها الغدر بأبشالوم وقتله من قبل قائد جيش داود يوآب بن صرويه. كان داود قد أوصى قواده وجنوده بعدم التعرّض لابنه أبشالوم وطالبهم بالحفاظ على سلامته، غير أنّ يوآب بن صروية نكثَ بهذا الطلب وخان ملكه داود وغدر بأبشالوم وقتله كما يردُ في النصّ التوراتي حيث نقرأ: "وصادف أبشالومُ عبيد داود وكان أبشالومُ راكباً على بغلٍ فدخل البغلُ تحت أغصان البُطمة العظيمة الملتفة. فتعلّق رأسهُ بالبطمةوعُلّق بين السماء والأرض والبغل الذي تحته مرّ. فرآه رجلٌ وأخبر يوآب وقال إنّي قد رأيت أبشالوم معلّقاً بالبطمة. فقال يوآب للرّجل الذي أخبره إنّك قد رأيته فلماذا لم تضربه هناك إلى الأرض وعليّ أنْ أعطيك عشرة من الفضّة ومنطقةً. فقال الرّجل ليوآب فلو وُزنَ في يدي ألفٌ من الفضّة لما كنتُ أمدّ يدي إلى ابن الملك لأنّ الملك أوصاك في آذاننا أنتَ وأبيشاي وإتّاي قائلاً احترزوا أياً كان منكم على الفتى أبشالوم".(33)
"فقال يوآب إنّي لا أصبرُ هكذا أمامك. فأخذ ثلاثة سهامٍ بيد ونشبّها في قلب أبشالوم وهو بعدُ حيٌّ في قلب البطمة. وأحاط بها عشرة غلمانٍ حاملو سلاح يوآب وضربوا أبشالوم وأماتوه."(34) .
وفي سفر الملوك الأول يروي كاتبه عدّة عمليات اغتيال وتصفية قام بها الملك سليمان بن داود ضدّ عدد من قواد أبيه ومعاونيه، ومن بينهم شقيقه الأكبر (أدّونيا بن حُجّيت). فنقرأ: "والآن حيّ هو الرّبّ الذي ثبّتني وأجلسني على كرسّي داود أبي والذي صنع ليبيتاً إنّه اليوم يقتلُ أدوينّا. فأرسل الملك سليمان بيد بنايا هو بن يهوياداع فبطش به فمات."(35)
ونقرأ في الإصحاح الواحد والعشرين من نفس السفر عن جريمة قتل استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة بطريقة بشعة جداً خطّطت لها (إيزبيل) امرأة ملك إسرائيل (آخاب) ضد رجل آمن يدعى (نابوت اليزرعيلي): "وحدث بعد هذه الأمور أنّه كان لنابوت اليزرعيلي كرمٌ في يزرعيل بجانب قصر آخاب ملك السامرة. فكلم آخاب نابوت قائلاً أعطني كرمكَ فيكون لي بستان بقولٍ لأنه قريب بجانب بيتي فأعطيك عوضه كرماً أحسن منه وإذا حسن في عينيك أعطيتك ثمنه فضةً. فقال نابوتُ لآخاب حاشى لي من قبل الرّب أن أعطيك ميراث آبائي." (36).
انزعج آخاب جداً من هذا الرّد.. واكتأب وجهه. فدخلت إليه امرأته مهدئة وواعدةً بحلّ القضية بسهولة قائلة لآخاب: "أأنت الآن تحكم على إسرائيل. قمْ كلْ خبزاً وليطبْ قلبك. أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي. ثم كتبتْ رسائل باسم آخاب وختمتها بخاتمهوأرسلتْ الرسائل إلى الشيّوخ والأشراف الذين في مدينته الساكنين مع نابوت. وكتبت في الرسائل تقول. نادوا بصومٍ وأجلسوا نابوت في رأس الشّعب. وأَجلسوا رجلين من بني بلّيعال تجاههُ ليشهدوا قائلين قد جدّفتَ على الله وعلى الملك. ثم أخرجوه وارجموهفيموت ."(37)
نجح مخطّط إيزابيل بشكل جيد كما رسمته. فتمتْ تصفية نابوت اليزرعيلي غدراً وخيانة وغشاً واستولى آخاب على البستان الذي كان لنابوت حيث نقرأ: "ولمّا سمعت إيزابيل أنّ نابوت قد رُجمَ ومات قالتْ إيزابيل لآخاب قمْ رثْ كرمَ نابوت اليزرعيلي الذي أبى أن يعطيك إيّاه بفّضةٍ لأنّ نابوت ليس حيّاً بلْ هو ميتٌ. ولمّا سمع آخاب أنّ نابوت قد مات قام آخاب لينزل إلى كرم نابوت اليزرعيلي ليرثُه."(38)
إنّ مقتل نابوت اليزرعيلي كان سبباً في التخطّيط لعدّة عمليات قتل واغتيال استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة أيضاً. فبعد وفاة الملك آخاب تسلّم ابنه (يورام) السلطة. غير أنّ أليشع النبي أخذ يخطّط لإغتيال يورام والثأر لنابوت اليزرعيلي بالتعاون مع قائدالجيش (يهوبن يهوشافاط) فاستغلاّ الصراع الذي كان قائماً فيما بين الآراميين وبني إسرائيل، حيث كان يورام ملك إسرائيل وأخزيا بن يهورام ملك يهوذا يقاتلان معاً الآراميين في منطقة (راموت جلعاد) وهناك جرح يورام في المعركة فرجع ليبرأ في يزرعيل من الجروح التي جرحه بها الآراميون في راموت . وكان ملك يهوذا قد نزل ليرى يورام بن آخاب في يزرعيل ويطمئن على وضعه. إلى يزرعيل وصل قائد الجيش المتآمر ياهو بن يهوشافاط وعدد من المسّلحين بغية اغتيال يورام فالتقيا في بستان نابوت اليزرعيلي حيث نقرأ:"فلمّا رأى يهورام ياهو قال أسلامٌ يا ياهو. فقال أيُّّ سلامٍ ما دام زنا إيزابيل أُمّكَ وسحرها الكثيرُ . فردّ يهورام يديه وهربَ وقال لأخزيا خيانةً يا أخزيا. فقبض ياهو بيده القوس وضربَ يهورام بين ذراعيه فخرج السهم من قلبه فسقط في مركبته"(39)
"فجاء ياهو إلى يزرعيل. ولمّا سمعتْ إيزابيلُ كحّلتْ بالأُثمد عينيها وزيّنتْ رأسها وتطلّعت من كوةٍ. وعند دخول ياهو الباب قالتْ أسلامٌ لزمري قاتلِ سيّده. فرفع وجهه نحو الكوّة وقال منْ معي. منْ فأشرف عليه اثنان أو ثلاثةٌ من الخصيان. فقال اطرحوها. فطرحوها فسال من دمها على الحائط وعلى الخيل فداسها ودخلَ وأكلَ وشربَ ثم قال افتقدوا هذه الملعونة وادفنوها لأنّها بنتُ ملك "(40)
ولم يكتف ياهو بهذه الجرائم والاغتيالات.. فقد قرّر اغتيال جميع أبناء آخاب بن عمري بعد أنْ قتل ابنه يورام الملك. وكان عدد أبناء آخاب سبعون ولداً. ويعيشون في السّامرة تحت إشراف مُرّبين هناك. فأرسل ياهو إلى هؤلاء المُرّبين رسائل طالبهم فيها بقتلجميع أبناء آخاب الأولاد والشبّان وقطع رؤوسهم وإرسالهم إليه . حيث نقرأ:"فكتب إليهم رسالة ثانية قائلاً إنْ كنتم لي وسمعتم لقولي فخذوا رؤوس الرّجال بني سيدكم وتعالوا إليّ في نحو هذا الوقت غداً إلى يزرعيل. وبنو الملك سبعون رجلاً كانوا مععظماء المدينة الذين ربّوهم. فلّما وصلت الرسالة إليهم أخذوا بني الملك وقتلوا سبعين رجلاً ووضعوا رؤسهمُ في سلالٍ وأرسلوها إليه إلى يزرعيل."(41)
ثم تابع ياهو جرائمه وغدره واغتيالاته كما يرد في السفر: "وقتل ياهو كلّ الذين بقوا لبيت آخاب في يزرعيل وكلّ عظمائه ومعارفه وكهنته حتى لم يبقِِ له شارداً. ثم قام وجاء إلى السّامرة. وإذا كان عند بيت عقد الرّعاة في الطريق صادف ياهو إخوة أخزْيا ملك يهوذا. فقال من أنتم فقالوا نحن إخوةُ أخزيا ونحن نازلون لنُسّلم على بني الملك وبني الملكة. فقال امسكوهم أحياءً. فأمسكوهُم أحياءً وقتلوهم عند بئر بيت عْقدٍ اثنين وأربعين رجلاً لم يبق منهم أحد."(42)
أيضاً لم يكتفِ ياهو بما اقترفه من جرائم باسم رب الجنود يَهْوه، فقد صبّ جام غضبه على سكان كنعان وكهنتهم بعد أن خطّط لهذا الأمر تخطّيطاً محكماً استخدم فيه الحيلة والخدعة ثم الغدر والقتل. لقد اتصّف الكنعانيون بالروح المتسامحة والانفتاح والمساواة بين جميع الشعوب والأديان، فلم يتعرضوا لمعتقدات الآخرين . ولا لكهنتهم، ولم يفرضوا ديانتهم على أحد وقد عاش اليهود بين ظهرانيهم ومارسوا شعائرهم الخاصّة بهم، ولا نقرأ أنّ كنعانياً اعتدى على كهنة يَهْوهَ .. غير أنّ ياهوشافاط وبدافع من عنصريته وحقده وغدره لم يرع هذا الأمر.. وكان مثالاً لليهودي الحاقد الذي ينتظر الفرصة الملائمة للانقضاض على الأغيار الأبرياء وقتلهم بقسوة ووحشية. فلّما قتل جميع أبناء آخاب وأصحابه ومعارفه ومن يمَّت له بصلة. التفت إلى كهنة الكنعانيين مستخدماً حيلةً للغدر بهم وقتلهم كما يروي كاتب السفر حيث نقرأ: "ثم جمع ياهو كلّ الشعب وقال لهم. إنّ آخاب قد عبد البعل قليلاً وأما ياهو فإنّه يعبده كثيراً. والآن فادعوا إليّ جميع أنبياء البعل وكلّ عابديه وكلّ كهنته. لايُفقد أحدٌ لأنّ لي ذبيحة عظيمة للبعل. كلّ من فقد لا يعيش. وقد فعل ياهو بمكر لكي يفني عبدة البعل. وقال ياهو قدسوا اعتكافاً للبعل. فنادوا به وأرسل ياهو في كلّ إسرائيل فأتى جميع عبدة البعل ولم يبق أحدٌ إلاّ أتى ودخلوا بيت البعل فامتلأ بيتُ البعل من جانب إلى جانبٍ. فقال للذي على الملابس أَخرج ملابس لكل عبدة البعل. فأخرج لهم ملابسَ . ودخل ياهو ويهوناداب بنُ ركاب بيت البعل. فقال لعبدة البعل فتشوا وانظروا لئلا يكون معكم هاهنا أحدٌ من عبيد الرّبّ ولكنّ عبدة البعل وحدهم . ودخلوا ليقّربوا ذبائح ومحرقاتٍ. وأما ياهو فأقام خارجاً ثمانين رجلاً وقال. الرجل الذي ينجو من الرجال الذين أتيتُ بهم إلى أيديكم تكون أنفسكم بدلَ نفسه. ولمّا انتهوا من تقريب المُحرقة قال ياهو للسُّعاة والثّوالث أدخلوا اضربوهم .لا يخرج أحدٌ . فضربوهم بحدّ السيف وطرحهم السّعاة والثّوالث وساروا إلى مدينة بيت البعل." (43)
ويروي كاتب سفر الملوك الثاني عن جريمة بشعةٍ جداً اقترفتها (عثليا) والدة ملك يهوذا (أخزيا) الذي قتله ياهو يهوشافاط بعد أنْ غدر بملك إسرائيل يورام بن آخاب وقتله . فنقرأ: "فلمّا رأت عَثليا أُمّ أخزيا أنّ ابنها قد مات قامت فأبادت جميع النسل الملكي."(44)
طبعاً لم ينج من هذه المذبحة البشعة إلاّ طفل رضيع يدعى (يوآش بن أخزيا) سرقته عمّته وخبأته عند (يهوياداع) في بيت الرّبّ وبقي فيه ست سنوات إلى أن أخرجه الكاهن( يهوياداع) وألبسه تاج الملك وأعطاه الشهادة وملكّه ومسحه ملكاً بدلاً من عثليابالاتفاق مع عددٍ من قادة الجيش المتنفذين وكان يهوياداع الكاهن قد وضع خطة لاغتيال عثليا، وقد نجح في تنفيذ الإغتيال كما يرد في النص التوراتي .(45) .
ثم تعرّض يوآش هذا إلى مؤامرة استخدم فيها أسلوب الغدر والخيانة وتمّ فيها اغتياله وقتله كما يرد في سفر الملوك الثاني: "وقام عبيدهُ وفتنوا فتنةً وقتلوا يوآش في بيت القلعة حيث ينزل إلى سلّى . لأنّ يوزاكار بن شمعة ويهوزاباد بن شومير عبديه ضرباهُفمات. فدفنوه مع آبائه في مدينة داود وملك أمصْيا ابنه عوضاً عنه.". (46)
وتستمرُّ عمليات الغدر والخيانة والاغتيالات في مملكتي يهوذا و إسرائيل على السّواء . فنقرأ عن فتنة في إسرائيل ضدّ زكريا بن يربعام ملك إسرائيل قام بها (شلُّوم بن يابيش) بتكليف من ربِّ الجنود يهوهَ كما يرد في النّص التوراتي حيث نقرأ: "ففتنَ عليه شلُّوم بن يابيش وضربه أمام الشّعب فقتله وملك عوضاً عنه"(47) .
لكنّه لم يهنأ كثيراً . فقد أُحيكت مؤامرة ضّده وتم اغتياله من قبل رجلٍ يدعى (منحيم بن جادي) فنقرأ: "وصعد منحيم بن جادي من ترصة وجاء إلى السامرة وضرب شلّوم بن يابيش في السّامرة فقتله وملك عوضاً عنه."(48)
وعندما توفيّ مناحيم تسلّم ابنه (فقحيْا) السلطة، لكنّه تعرض لخيانة واغتيال أيضاً: "ففتن عليه فقحُ بن رمليا ثالثه وضربه في السّامرة في قصر بيت الملك مع أرجوبَ ومع أرْبَةَ ومعه خمسون رجلاً من بني الجلعاديين. قتله وملك عوضاً عنه.".(49)
وكان مصير فقح بن رمليْا كمصير سلفه.. فقد تعرض هو الآخر لخيانة وغدر أودى بحياته فنقرأ: "وفَتن هو شعُ بنُ أَيْلةَ على فقح بن رمَليْا وضربه فقتله وملك عوضاً عنه".(50)